للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحامي، وهو عمل مشروع لا ممنوع، ولكنه أساء أسلوب الدفاع وتطاول على أهل البلد وكاد يمسّ القُضاة أنفسهم، فكتبت هذه الكلمة، وهي إحدى الكلمات التي وجدتها اليوم:

بعضَ هذا يا سي حسن (١) فإن الحياء من الإيمان، ولك أن تدافع عن القاتل فإن الدفاع حقّ مطلوب، ولك أن تحرص على الأجرة فإن المال مشتهى محبوب، ولكنْ ليس لك أن تنسى الحقّ من أجل المال وتضحّي بالإنسانية في سبيل المهنة، فتصغّر هذا الجرم وهو عظيم، وتكسر بلسانك قلوب هؤلاء الأطفال بعد أن كسر موكّلك بنذالته ركنهم وذبح بسكّينه أباهم. وليس لك أن تسخر من هذا الشعب الذي فتح لك أبوابه وأعطاك من المجد والمال ما لو وجدتَه عند أهلك لما لجأت إليه، والذي لا يزال -من غفلته- يكرم كلّ غريب ليناله بالأذى هذا الغريبُ.

ولو كنت من أهل البلد لعلمتَ أنها لم تصنع بأهله جريمةٌ آثمة سافلة ما صنعت هذه الجريمة، وأنها راعت قلوبَ ساكنيه وأغضبَتهم وآلمتهم، أسفاً على الفقيد وحزناً على أولاده وإكباراً لفقره، وخوفاً على العدالة أن لا يُنصَب لها في الشام ميزان بعد اليوم، ما دام كلّ نذل يُغضبه القاضي بحكمه عليه يبعث إليه بوحش يقتله. وأنها فُرشت بالشوك مضاجعُهم فما يقرّ لهم قرار حتّى يصطبحوا بمرأى المجرمين كافةً تهتزّ أرجلهم فوق أرض المرجة. وأن النساء في البيوت، إي والله والرجال في الأسواق والأولاد في المدارس، لا يزالون يسألون عن المحاكمة ماذا


(١) اسمه المحامي حسن غزاوي، وهو من مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>