والتطويل، فكان أول ما صنعت أن استحدثت صِيَغاً جديدة في الوثائق، مختصَرة واضحة جامعة للشرائط على اختصارها، صحيحة اللغة على وضوحها، لا تكاد تزيد عن عشرة أسطر إلى عشرين سطراً.
واتّبع ذلك مَن جاء بعدي واستمرّ أكثرُه حتّى الآن، ولا يكاد يدري أحدٌ مَن وضع هذا الأسلوب الجديد إلاّ مَن فتح الدفاتر القديمة وقابل أسلوب الوثائق الذي كان فيها قبلي بالأسلوب الذي استُحدث على عهدي واستمرّ بعدي.
وبمناسبة الكلام عن الوثائق أعود إلى ذكر شيء طالما أبدأت فيه وأعدت وكتبت وخطبت، أنبّه إلى ثروة عظيمة أخاف عليها أن تضيع، وأحسب أنها قد ضاعت الآن؛ تلك هي «الوقفيّات». عندنا في المحكمة الشرعية وقفيات من مئتين أو من مئة وخمسين سنة أو من مئة سنة، فيها من تاريخ البلد العمراني وخُطَطه، ومن وصف دمشق وحاراتها وأحيائها، وذكر وُلاتها وحكّامها، ووصف دورها ومساجدها، وذكر القُرى التابعة لها ... فيها من ذلك شيء كثير لم يَعُد يعرفه منّا إلاّ القليل، تُستخرَج منه عشرون رسالة جامعية تُنال بكل واحدة منها أعلى الشهادات؛ فهي كنز لا يُقدَّر بثمن ولا تُغني عنه التواريخ المطبوعة، لأن فيها ما لا تحتويه هذه التواريخ.
كانت هذه الوقفيات أدلّة شرعية لأصحاب الحقوق، فلما ألغى حسني الزعيم الأوقاف الذرية (التي تُسمّى في مصر بالأوقاف الأهلية) وصفّاها ووزّعها على مستحقّيها من غير دليل