وقد وردَت عليّ معاملة أول عهدي بالمحكمة لقاصر مات أبوه وكانت له دُكّان بقالة، أي أنه كان سَمّاناً في القصاع (في حارة النصارى). فقوّمنا الدكّانَ وما كان فيها فبلغ ألفاً وأربعمئة ليرة، وهي بحساب تلك الأيام مبلغ كبير. ولكن المورد الشهري للدكّان كان نحو أربعمئة ليرة، كسباً خاصاً. ففكّرت: كيف أبيع الدكّان بموردها في ثلاثة أشهر؟ بقرة تحلب لي كل يوم، هل أبيعها بثمن لبنها في ثلاثة أيام أو أربعة؟!
وعرضت القضية على مجلس الأيتام الذي كانت لي (أي للقاضي) رياسته وسألتهم رأيهم، فأبدوا آراءهم ثم قالوا (كما هي العادة): الرأي ما تراه. قلت: أنا عليّ أن أنفّذ حُكم القانون ولو خالفت طريق الحقّ الظاهر وآذيت القاصر، ولو عملت ما لا يعمله عاقل في ماله لو كان هذا المال ماله. قالوا: فكيف نصنع إذن؟ قلت: هذا القانون لم ينزله الله وحياً من عنده ولم يأمر به رسوله الذي لا ينطق عن الهوى، ولكنْ وضعه أناسٌ أرادوا الخير فحققوه في أيامهم، ثم ظهر أنه يُضيع ما أرادوا من الحق لمّا تغيرَت الأيام، وعلينا نحن أن نُرضي الله وأن نحقّق العدل، ولو خالفنا هذا القانون البشري، فما رأيكم؟ قالوا: نحن معك.
فجئت بالرجل الذي أقامه الميت في حياته مديراً لهذا المحل، فتعاقدت معه -بوصفي وليّ القاصر القانوني- على أن يستمرّ في إدارة المحلّ، وأن يكون الربح مناصفةً بينه وبين القاصر، بشرط ألاّ يقلّ الربح عن الحدّ الذي هو عليه الآن