به. فكان الذي يتولاّه فعلاً واحداً من اثنين: أحد كُتّاب المحكمة (وربما كان جاهلاً بشروط العقد وأحكامه) أو بعض المشايخ ممّن يختارهم القاضي، فيخطب خطبة طويلة تخرج من فمه ميتة يقرؤها قراءة تنوّم المستيقظ. والأصل في الخطبة أن توقظ النائم وتقيم القاعد وتثير الهمم وتبعث العزائم، وهذه الخطب التي تكون في العقد دواء الأرق، تأتي بالنوم لمن جفا عيونَه المنام!
والخطبة سنّة ولكنها ليست شرطاً في صِحّة العقد، فكنا بين أمرين كلاهما أقرب إلى الشرّ: بين استعجال الكاتب الذي يضيع بعض شرائط العقد وتطويل الشيخ الذي يُذهِب بهاءه ويضيع فرحته. وكان الناس ينتظرون حتّى يأتي دور الواحد منهم، فيملّ الانتظار ويزيد الازدحام.
فلما جئت رتّبت أولاً السبق إلى العقد بالسبق إلى المجيء إلى المحكمة، وأعطيت أصحاب المعاملات أرقاماً وربطت بالمعاملة أرقاماً مثلها (كما سبق بيان ذلك من حلقتين)، ثم عمدت إلى العقد الشرعي الأصلي الذي ليس فيه تطويل ولا تعقيد وليس فيه «طقوس» كالتي توجد عند الأمم الأخرى، وليس فيه ما نراه في مصر أحياناً من أخذ العاقد منديلاً أبيض وأمره المتعاقدَين بأن يتماسكا باليدين ويغطّي يديهما بالمنديل، حتّى صار الناس يظنّون وضع هذا المنديل الأبيض من شروط العقد، وما هو من شروطه ولا أصل له في الشرع أبداً.
عقد الزواج في الإسلام أسهل عقد عرفه الناس من القديم إلى الآن، فإذا قال وليّ البنت بحضورها ورضاها للخاطب: