متحجّبة من غير أن آمرها بأن تكشف عن وجهها، وإن كان الوجه في الأصل ليس عورة متفَقاً عليها ويجوز كشفه في بعض المذاهب، مع غضّ البصر، فإذا نشأ عن كشفه فتنة للمرأة أو عليها وجب ستره عند عامّة العلماء.
وقد وقعت لي في هذا الباب حوادث طريفة. منها أنها جاءت مرّة معاملةٌ البنت فيها في الثالثة عشرة من عمرها، فبينت لمن قدّم الأوراق أنه لا بد من حضورها مع وليّها لمشاهدتها قبل الإذن بعقد زواجها. فلما كان اليوم التالي جاءني رجل طويل عظيم الخَلق عريض كأنه من بقايا قوم عاد أو من سلالة العماليق، قدّم نفسه إليّ على أنه أبو البنت، ثم جاء برجُل مثله كأنه صورة عنه فقال: هذا عمّ البنت، ثم جاء ثالث كأنه نسخة منهما لا يقلّ في طوله وعرضه عنهما وقال: هذا خال البنت، ثم جاءت امرأة متحجّبة، لولا أنها في حجابها وأنها امرأة وهُم رجال لقلت إنها صورة عنهم ونسخة منهم.
قال: هذه أمها. ثم جاءت بنت في مثل جثّة الأم متحجّبة كأمها، قال: هذه البنت. فقلت بعد أن رأيت أباها وأمها وخالها وعمّها، وتيقنت أن الله أعطاهم بسطة في الجسم أو أنهم أسرة من الفِيَلة، قلت لهم: قد وافقت على إجراء العقد وهذا توقيعي على الأوراق.
بنت ثلاث عشرة سنة أطول مني وأعرض! ورُبّ بنتِ ثلاث عشرة غيرها إذا وقفَت إلى جنبها لم يصل رأسها إلى كتفها، فليسَت العبرة إذن بالسنّ وحده؛ لذلك يُخطئ الذين يُسرِعون