أمّا المقالة الثانية عن الحياة الأدبية في بغداد فقد بين كاتبها أن الذي حمله عليها قراءته مقالتي التي أشرت إليها.
وممّا قال فيها أنه لو أتيح للقارئ أن يتصفّح الصحف والمجلاّت قبل عشر سنين (أي في سنة ١٩٢٦) لَما فاته أن يلحظ فيها طيف اليقظة الأدبية وهي في مهدها، ولرأى من كثرة ما يُنشَر في الصحف حينذاك، من الشعر على الأخصّ ومن بقية الفنون الأدبية، وإن كانت بصورة بدائية، روحاً أدبياً يبشّر بمستقبل لا بأس به. إلى أن قال: على أننا قد خسرنا حتّى تلك الحركة البدائية البسيطة، وقد ماتت كلّ المحاولات التي كان القصد منها بعث الروح في الأدب العراقي.
إلى أن قال: إن طغيان السياسة والصحافة على الأدب هو الذي أدّى إلى ضعفه. وقد جرى ذلك في الصحف اليومية، فإن كلّ صحيفة صدرت في العراق كانت في مبدأ أمرها خالصة لوجه الأدب أو تخصّه بأكبر عناية، فأصبحت كلّ الصحف تقريباً لا تنشر القطعة الأدبية أو القطعة الشعرية إلاّ في الأسبوع أو الأسبوعين مرّة، وقد كانت جريدة «البلاد»(وهي كبرى جرائد العاصمة) في أول مبدئها تخصّ الأدب بثلث صفحاتها يومياً، وكانت تستكتب الأدباء والشعراء وتنشر لهم، وكانت وقتئذ تصدر في ستّ صفحات فقط، والآن بعد أن زيدت صفحاتها إلى الثماني فقد تركت الأدب مرّة واحدة. وكذلك قلّ في الصحف الباقية اليومية منها والأسبوعية. وممّا يؤلم ويَستفزّ النفسَ أن الصحف في العراق لا تتكبّد في نشر الأدب شيئاً مادّياً، بل كل ما يُنشَر فيها تقريباً أدب التبرّع وليس أدباً مأجوراً.