كانت الحياة الأدبية عندنا فيما قبل الحرب العامّة الماضية تجري على سنن أدباء القرون الوسطى جرياً تقليدياً مَحضاً ميكانيكياً خالصاً، قصائد غزل ورثاء ومدح وهجاء وتطريز وتشجير، ورسائل معذرة وإطراء وعتاب وتواصل وتقاطع. وكانت كل هذه الرسائل وهاتيك القصائد منهوكة القُوى المعنوية، بما تحمله دواماً من أغلال السجع المرهِقة وأثقال المحسِّنات البديعية الجافّة، التي كان لها في الأدب عامّة المقام الأول. أمّا المعاني فهي في الدرجة الثالثة أو الرابعة.
إلى أن قال: فلما وضعَت الحرب أوزارها استيقظ في نفر من ناشئة الحجاز المتعلّمين روح النهوض، وشعروا أن أدبهم قد أخنى عليه التقليد وأفسده داء الجمود.
إلى أن قال: إلى أين نتّجه؟ هنا شاهدنا سببَين ممدودَين إلينا من أقطار العروبة الناهضة، وكل منهما له مغريات: هذا الأدب المصري يجذبنا بنصاعة أسلوبه وقوّة ترتيبه، وهذا الأدب المَهجري يسحرنا بمرونة أسلوبه وبسهولة تعبيره. كان طبيعياً والحالة كذلك أن يحصل انقسام في اتجاه حياتنا الأدبية. ففي المدينة المنورة كان منّا إجماع على اعتناق الأدب المصري أسلوباً وتفكيراً، وفي مكّة وجدّة تمسّكَت طائفة بذيول الأدب المهجري وأخرى اعتنقت الأدب المصري، وكلٌّ سار في اتجاهه يكتب ويفكّر، حتى كان تفاعل فكريّ في الآونة الأخيرة أنتج توحيد مناهج الأدب الحجازي في انتهاج سبيل الأدب المصري وحده.
إلى أن قال: على أن حياتنا الأدبية -بسبب حداثة عهدها