للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان أكبر من أن يكون مدرّساً في مدرسة ثانوية، فعجز عن الهبوط إلى «مستوى» عقول التلاميذ ليفهمهم وعجزوا عن الصعود إليه ليفهموا منه، فبقي بينه وبينهم فراغ ملؤوه بالشغب والضجيج وإفساد الدرس. رحمه الله، فلقد عشت حتى بلغت هذه السن، وتنقلت في البلاد ولقيت العلماء والأدباء والأذكياء، فما صادفت أشدّ منه ذكاء.

وأنا أعرّف «الذكاء» بأنه سرعة المحاكمة و «العقل» بأنه صحّة المحاكمة، ومسلّم بك أذكى من عرفت، وإن كان ذكاؤه أكثر ممّا ينبغي. لا تعجبوا من هذا الكلام، فإن الذكيّ كالفارس يقفز فيجيء على ظهر الفرس، والغبي يقصر فيقع دونها، فإن كان ذكاؤه أكثر مما ينبغي كان كالذي يقفز قفزة أوسع فيقع بعد الفرس.

وكذلك كان مسلّم بك؛ كنا نقول له كلمة لا نقصد بها سوءاً فيولّد له ذكاؤه مقاصد لم تخطر لنا على بال، فيغضب منا أو يُعرِض عنا. ولولا الفوضى في درسه لاستفدنا منه الكثير.

وكان مثله في الفوضى مدرّس الموسيقى، مع أنه مدرس موسيقى بارع وملحّن ممتاز وأستاذ العزف على القيثارة، هو مصطفى الصواف. وكان يدرّسنا الموسيقى كما تُدرَّس في المعاهد الموسيقية، ولقد درّسَنا السلّم الموسيقي والإشارات كلها، وسلّم «دو» الكبير وسلّم «فا» وسلّم «صول»، إلخ، وسلّم «الراست» في الموسيقى العربية، والموازنة بينه وبين سلّم «دو ماجور»، والتأليف الغربي، والتأليف العربي، والمقامات، والضروب بأنواعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>