ترون الطنطاوي الشيخ يكتب بمثل الأسلوب العاطفي الذي جرى به قلم الطنطاوي الشاب؟ لقد سألني أخي ناجي لمّا قرأ كتابي إلى الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في الحلقة الماضية: هل تقدر أن تكتب اليوم مثل هذا؟ قلت: هاتِ ذلك القلب الذي كان يخفق بالحب ويصفق بالعواطف أكتبْ مثلها، بل أجمل منها، ولكن المرء يلبس لكل حالة لبوسها ويتخذ لكل سنّ ما يناسب تلك السنّ.
كان الشاعر العربي في الجاهلية يهتمّ بأمرَين، بالحبّ وبالحرب، فكان أوسع فنون الشعر عندهم فنّ الغزل ثم فنّ الفخر والحماسة. ولقد سمعتم في الفقرة التي نقلتها من كتاب «هتاف المجد» ما كنت أكتب في الحماسة، فاسمعوا أمثلة، مقاطع موجزة، ممّا كنت أكتب في الحب.
قلت في قصّة «ابن الحبّ» من كتابي «قصص من التاريخ»:
واللهُ الذي أمال الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة، وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشأ البيضة، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولَد الوادي، ولوى الأرض في مسراها على الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار، هو الذي ربط بالحبّ القلبَ بالقلب حتى يأتي الولد.
ولولا الحبّ ما التفّ الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطف الظبي على الظبية في الكِناس البعيد، ولا حنا الجبل على الرابية الوادعة ولا أمَدّ الينبوع الجدول الساعي نحو البحر. ولولا الحبّ ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض