بنينا فيها صروح الخير والعلم، وأقمنا فيها منار الحقّ والهُدى، وصنعنا للناس خير حضارة عرفها الناس.
لا، ما جئت أفخر بالتاريخ الذي كتبناه أمس، بل بالتاريخ الذي شرعنا نكتبه اليوم. لقد وصلْنا ما كان انقطع من أمجادنا، فالتقى المجدُ الجديد بالمجد التليد، واجتمعَت البطولات التي نُبديها اليوم بالبطولات التي أبديناها بالأمس، وأرينا الدنيا أننا ما أضعنا إرثنا من أمجاد الأجداد. لقد هببنا لنطهّر بلادنا من اللصوص المستعمرين، ولنعيد بناء دارنا ونرفع عليها لواء مجدنا، ونسترجع تحت عين الشمس مكاننا.
لا أريد الكلام، ولو أردناه لكنّا نحن سادته؛ نحن فرسان المنابر ونحن أرباب الأقلام، ولكننا نريد الفعال. فليقُل أعداؤنا ما شاؤوا وليكتبوا في صحفهم ما أرادوا، فلقد كتبنا نحن ما أردناه سطوراً على ثرى بورسعيد، ومن قبل كتبناها على بِطاح فلسطين وجنّات الغوطة وجنبات الرّمَيثة، وفوق ثرى طرابلس والجزائر والريف المغربي، سطوراً سطرناها بجثث الغاصبين:
قد مَلأْنا البرَّ من أشْلائِهمْ ... فدَعُوهُمْ يَملؤوا الدّنيا كلاما
* * *
هذا مثال من كتاب «هُتاف المجد». ولو اتّسع المجال وساعدَت الحال لذكرت أمثلة أخرى. وسآتي بأمثلة من الأسلوب العاطفي، وأسلوبي في الترسّل، وأسلوبي القصصي. ولقد قلت لكم في آخر الحلقة الماضية إني لمّا دخلت ساحة القضاء خرجت من نطاق الأدب وظننت أني لن أعود إليه، ولكنني عدت. فهل