إلى كلّ من يتفيأ الظلال من جنّات الشام، ومن يَضحَى بشمس القفار في فلوات الجزيرة، ومن يحيا على شطّ الفرات وعلى جنبات الخليج. إلى الأسود المرابطين في نحور العدوّ في شوارع بورسعيد، وعلى شعفات الجبال في الجزائر، وعلى سِيف القرى الأمامية في فلسطين ...
(إلى أن قلت): إلى كل من شرّق من أمة محمد وغرّب، ما جئت اليوم لأستنفر وأستثير، ولا لأشكو وأستغيث، ولا لأفخر وأحمّس، بل جئت لأبارك هذه الحرب التي أشعلها العرب في كل مكان، من الجزائر إلى مصر إلى العراق، وأطعموها الجماجم وسقوها الدماء. هذه الحرب، ويا بارك الله هذه الحرب.
لقد كشفَت منّا عن الجوهر الذي طالما اختفى تحت غبار القرون، وأظهرَت منّا العزائم التي طالما هجعَت في ظلام الليالي، وسلّت بأيدينا السيوف التي طالما تلوّت في الأغماد وتشكّت طولَ الرقاد. وذكّرَتنا -وقد طالما نسينا- أننا نحن بنو الحرب، بنو التضحيات، بنو المعامع الحُمر والأيام العوابس.
وأنها ما كانت قطّ قلوبٌ أقوى ولا أظهر من قلوبنا، ولا كانت سيوفٌ أحدّ ولا أمضى من سيوفنا، ولا كان مجد أعظم من مجدنا ولا تاريخ أحفل بالنصر والظفر والفضل والنبل من تاريخنا. وأننا نحن طهّرنا أرض الجزيرة العربية من نجس يهود، ونحن أنقذنا الشرق والغرب من عبودية كسرى وقيصر، ونحن قصمنا ظهر كل جبّار وكسرنا رقبة كل متكبّر، وأننا نحن أبطال بدر واليرموك، والقادسية ونهاوند، وحِطّين وعين جالوت، والغوطة وجبل النار (في نابلس)، وأننا هدمنا صروح الشرّ في الدنيا ثم