طِباق الجوّ بعدما هاض الزمان جناحها، ووقفَت -وهي كلمات- سداً في وجه أعظم قائد عرفَته قرون ما قبل الإسلام: الإسكندر، وفي وجه أبيه من قبله، فيليب.
وخطبة طارق هي التي فتحت الأندلس. وخطبة الحجّاج أخضعَت يوماً العراق وأطفأت نار الفِتن التي كانت مشتعلة فيه ثم وجّهَته إلى المعركة الماجدة، ففتح رجل واحد من قُوّاد الحَجّاج أكثر ممّا فتحَت فرنسا في عصورها كلها، وبلغ مشارف الصين، وحمل الإسلام إلى هذه البلاد كلها فاستقرّ فيها إلى يوم القيامة، ذلك هو قتيبة بن مسلم.
ولمّا اجتاح نابليون بْروسيا (ألمانيا) ما أعاد لها حرّيتها ولا ردّ عليها عزمها إلاّ خطب فيخته التي صارت لقومه «معلّقات» كالمعلقات العشر عندنا، يحفظها في المدارس الطُلاّبُ ويردّدها على المنابر الخطباءُ، وتقرؤها كل امرأة ويتلوها كل رجل. إن خطب فيخته كانت من أظهر العوامل التي أنشأت ألمانيا الجديدة.
ما قام في التاريخ زعيم عبقري ولا قائد نابغة إلاّ كان السلّم الذي صعد عليه هو الخطب. وما زعمت أني أستطيع أن ألقي مثل هذه الخطب، ولا جئت أباري في ميدان البيان، ولكنْ جئت لأقول الحقيقة التي تملك العقول بصدقها وتأسر القلوب بجمالها.
فيا أيها المستمعون إليّ مقبلين عليّ (أُذيعت هذه القطعة من إذاعة دمشق)، ويا أيها المستمعون وهم مُعرِضون عني، يلهون في القهوات أو يتبخترون في الطرقات. إلى العالِم في مكتبه، والعامل في معمله، والمرأة في بيتها، والطفل في مدرسته ...