حاله لأنه تاريخ ولأنه يصوّر مرحلة من مراحل حياتنا. ولقد تقارب اليوم ما بين فرنسا وألمانيا وزال أكثر ما كان بينهما من العداء، فهل نطمس لذلك ما كتب موباسان وألفونس دوده وبعض ما قال فيكتور هيغو، والأدباء الذين تحدّثوا عن حرب السبعين وأثرها في فرنسا؟ إن الأدب يبقى لأن له قيمة في ذاته ولو تبدّلت الأحوال.
* * *
لقد عزمت -ما دمت أكتب ذكرياتي وأسرد أحداث حياتي- أن أختار من كل نوع من أساليب كتابتي فقرات أدلّ بها عليه وأمثّل بها له. والكاتب وإن كان فكره واحداً وقلمه واحداً يتبدّل أسلوبه بتبدّل حاله. أمثّل على أسلوب كتاب «هتاف المجد» بمقدّمته أذكر فقرات منها (ولقد نُشر الكتاب كما قلت لكم في شعبان سنة ١٣٧٩هـ). قلت:
إني أحاول أن ألقي اليوم خطبة، فلا تقولوا قد شبعنا من الخطب. إنكم قد شبعتم من الكلام الفارغ الذي يُلقيه أمثالي من مساكين الأدباء، أمّا الخطب فلم تسمعوها إلاّ قليلاً: الخطب العبقريات الخالدات التي لا تُنسَج من حروف ولا تؤلَّف من كلمات، ولكنها تُنسَج من خيوط النور الذي يضيء طريق الحقّ لكل قلب، وتُحاك من أسلاك النار التي تبعث لهب الحماسة في كل نفس.
ولا تقولوا: وماذا تصنع الخطب؟ إن خطب ديموستين صبّت الحياة في عروق أُمّة كادت تفقد الحياة، ونفثَت فيها روحاً وملأتها عزماً، حين استعارت لها من جلال ماضيها أجنحة تضرب بها في