ولمّا جئت أجمع مقالاتي، أضمّ النظائر والأشباه أؤلّف من كل زمرة كتاباً، كان من أقرب كتبي إلى الطبع وأبعدها عن التصنّع وأكثرها غلياناً كتاب «هتاف المجد».
ولا تقولوا إن جمع المقالات في كتاب يُفقِد الكتاب معناه ويُذهِب وحدة موضوعه، فإن هذا الكلام على صحّته لم يأخذ به أحد. ها هم أولاء الكُتّاب الذين سبقونا وكانوا قبلنا، وقرأنا ما كتبوا واستفدنا منه، كلهم جمع مقالاته في كتب؛ من أمثال العقّاد والمازني وطه حسين والرافعي والزيات، الذين كانوا أئمة الأدب وكانوا قادته وكانوا سادته. كل منهم جمع مقالاته في كتب. وإلاّ فخبّروني: ماذا يصنع بها؟ يرميها؟ يمزّقها؟ يحرقها؟ حتى تضيع فيضيع معها أدب كثير ويُفقَد بفقدها نفع كثير.
ولو أن كاتب المقالات حين يجمعها يقصّ مع كلّ مقالة قصّتها ويبيّن ظروف كتابتها، لو فعل ذلك لجاء منه كتاب ينفي ما ينكرونه عليه من فقد الوحدة في الموضوع. هذا كتاب «هُتاف المجد»، وقعت يدي عليه فقلت: أبدأ الكلام عنه. على أنه لم يُطبَع إلاّ طبعة واحدة سنة ١٩٦٠. في هذا الكتاب بقيّة ممّا ألقيت من خطب، أقلّها مكتوب وأكثرها مرتجَل، وأقلّ المكتوب هو الذي أودعته هذا الكتاب.
وأعترف أنها قد تبدّلَت الأحوال، ففرنسا مثلاً التي كانت عدوّنا الأوّل في الشام وفي الشمال الإفريقي المسلم دانيه وقاصيه، خفّ الآن عدوانها واعتدل موقفها، ولكنني أبقيت ما قلت على