للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما فعل هذا ابتغاء ثواب الله ولا فعله حباً بنا، فالدول لا تعرف في سياساتها الحب ولا الغرام وإنما تمشي مع مصالحها ومع منافعها.

ولو ذهبت أسرد كل ما أصابنا من ديغول لرأينا ما قبله بالنسبة إليه كان أخفّ منه. ولقد أدركت أنا عهد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، ثم عهد الشريف فيصل بن الحسين (الملك فيصل ملك العراق)، وعهد الاحتلال الفرنسي بعد ميسلون، وعهد الحكم الوطني اسماً الأجنبي حقيقة، وشهدت عهود الانقلابات التي سنّ سنّتها وفتح طريقتها فكان عليه وزرها ووزر من عمل بها حسني الزعيم ... ما رأينا عهداً إلاّ بكينا فيه منه وبكينا بعده عليه! لن أعرض لذلك فأخرج من نطاق الذكريات إلى ميدان التاريخ، ولكن أحدّثكم عن يوم واحد من أيام ديغول وحكم ديغول وهو يوم البرلمان، يوم المجلس النيابي في دمشق. هل سمعتم به؟

أعلم أن جوابكم هو: لا. أعرف أنكم لم تسمعوا به، وليسَت علّتكم وحدكم ولكنها علّتنا معشر العرب، بل علّة المسلمين جميعاً؛ لا يكاد يحسّ أحدٌ منّا بآلام أخيه! ولماذا؟ أليس المسلمون كالجسد الواحد إن تألّم عضوٌ منه نقلت أعصابُ الحِسّ الألمَ إلى سائر الأعضاء؟ فهل أصيب الجسد الإسلامي بشلل الأعصاب؟ وعلّة أخرى فينا: هي طيب قلوبنا. وربما كان لطيب القلب اسم آخر، اسم أصدق وأدلّ على الواقع هو «الغفلة»؛ فنحن -لأننا مغفلون أحياناً- ننسى إساءات عدوّنا إنْ بَسَم في وجوهنا أو مسح على رؤوسنا أو قال لنا: آسف فلا تؤاخذوني.

<<  <  ج: ص:  >  >>