وأنه مرّ عليهم يوم كانوا يملكون فيه خُمس الأرض ويحكمون بقاعاً لا تغيب الشمس عنها لأنها إن غابت عن مغربها بدت في مشرقها، الإنكليز فرضوا لغتهم على الناس على ما فيها من عِوَج وضعف وخلل، ونحن أضعنا بكسلنا وخمولنا لغتنا. ولولا أنها قائمة بكتاب الله واللهُ تعهّد بحفظ كتابه، وما تعهّد الله بحفظه لا يقدر أحد على المسّ به، لولا ذلك لزالت ونُسيَت.
قلنا لهم: كيف نمشي وما نعرف من الإنكليزية شيئاً؟ كيف نخاطب الناس؟ قالوا: ندلّكم على كلمة سحرية تفتح لكم كل مغلَق وتيسّر كلّ عسير وتحلّ كل معقود، فمهما رأيتم من ذلك فقولوها. قلنا: ما هي؟ قالوا: هي كلمة: «نو سبيكن». فكان الشيخ رحمه الله كلّما واجهته عقبة أو وقعنا في ضيق قال: أفندي قُلها، قُلها.
وأذكر أن طائرة «كي. إل. إم» الهولندية التي كانت تُربَط الساعة على مواعيد قيامها وهبوطها تأخرت في سنغافورة ربع ساعة من أجلنا. جاؤونا ببيانات مطبوعة بالإنكليزية فقلنا: نو سبيكن. قالوا: سبيكن فرنش؟ أي تعرفون الفرنسية، فقلت لنفسي: إنني درستها وتعلّمت نحوها وصرفها وتمكنت من أدبها، وإن لم أُحسِنها نطقاً وبياناً، فلماذا لا أجرّب اليوم حظّي منها؟ ورأيت المسألة قد هانت فقلت: نعم. فجاؤوني برجل ما أدري من أين التقطوه، يتكلّم الفرنسية بفصاحة شاتوبريان وسرعة الممثل فرنانديل الذي كان يقلّده إسماعيل ياسين، فلم أستطع أن أفهم منه شيئاً، فعدت إلى الكلمة السحرية فقلت: نو سبيكن فرنش. قالوا ما معناه: سبيكن ماذا؟ قلت: العربية. فلم يجدوا في مطار سنغافورة من يعرفها.
وأقول إن ممّا وقع لنا: لمّا وصلنا كراتشي في أوّل الرحلة