للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أذكرها في غير موضعها.

وعيبٌ آخر عندي، هو عيب كتب الأدب العربي القديم ومن نشأ عليها وألِفها، هو الاستطراد والخروج عن الموضوع. هذا كتاب «الحيوان» للجاحظ مثلاً، أسألُ من قرأه منكم: كم في أبوابه ممّا يدل عليه عنوانه؟ هل التزم فيه علم الحيوان (أي علم الحياة) أم ذهب به الاستطراد يميناً وشمالاً فتكلم في كل شيء؟ هذا هو أسلوب كتبنا الأدبية، فلا تلوموني -وقد نشأت عليها- أن أسلك سبيلها.

لقد صار الاستطراد عادة لي. أعترفُ أنها عادة سيئة، ولكنْ ما أكثرَ العادات السيئة التي لزمتنا فلم نستطع الانفكاك عنها! ولو كانت من المحرّمات لأكرهت نفسي على تركها، فليس لمسلم يأتي المحرّمات أن يحتجّ بتعوده عليها، ولكنها -لسوء حظي- ليست من المحرّمات.

ولطالما كنت أخطب في الحشد الكبير أو أتكلم في الإذاعة أو الرائي (وأحاديثي فيهما كلها ارتجال ليس أمامي ورقة مكتوبة أقرأ فيها)، فأستطرد وأخرج عن الخط، فإذا انتهى الاستطراد وقفت كما وقف حمار الشيخ في العقبة، فلا أذكر من أين خرجت ولا إلى أين أعود. ولا تسألوني مَن هو هذا الشيخ، فإن المثل خلّد ذِكر الحمار ونسي اسم الشيخ ليعلّمنا أن خلود الأسماء ليس الدليلَ على عظمة أصحابها.

والمذكّرات يكتبها أرباب المناصب ورجال السياسة وقادة الجيوش، الذين شاركوا في صنع الأحداث فاستحقّوا أن تكون

<<  <  ج: ص:  >  >>