الطالب ويعلّمونه وينفقون عليه، كما كان يصنع الإمام محمد بن الحسن (صاحب أبي حنيفة) مع أسد بن الفرات وغيره.
وقرأ على محدث الشام في تلك الأيام الشيخ عبد الرحمن الكزبري، أستاذ الأساتذة، والشيخ سعيد الحلبي، والشيخ عبدالرحمن الطيبي، وهؤلاء كلهم أعلام يعرفهم أهل الشام. ثم عاد إلى مصر ولزم الجامع الأزهر خمس سنين قرأ فيها على الشيخ إبراهيم الباجوري، شيخ الجامع الأزهر صاحب الحواشي المشهورة، والشيخ إبراهيم السقا خطيب الجامع الأزهر، والشيخ محمد الخضري الكبير، وهو فقيه عالِم بالعربية والفلسفة والعلوم، وهو رجل عبقري أصابه الصمم فاخترع طريقة للكلام بإشارات اليد وعلّمها مَن حوله، فكان يخاطبهم ويخاطبونه بها، وقد تلقّى جدنا عنه العلوم الرياضية والفلك.
ثم رجع إلى دمشق واتخذ له حجرة في مسجد «سيدي صُهَيب» في أول حيّ الميدان، فكان يعلّم فيها نهاره كله. واستمر في ذلك سنين حتى دعاه الأمير عبد القادر الجزائري، فدخل البلد واستأجر له داراً واسعة (وهي الدار التي آلت فيما بعد إلى المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني وتُوفّي فيها)، وعيّن له معاشاً وأرسل إليه أولاده ليُقرِئَهم، فاتخذ حجرة في المدرسة البادرائية (ولإنشاء هذه المدرسة قصّة طريفة ليس هذا موضعها) فكان يعلّم فيها أولادَ الأمير وغيرَهم من طلبة العلم. قالوا:"وكان مشاركاً في كل علم وله فيه تدقيقات وتحقيقات، ومن آثاره «البسيط» الموضوع في منارة العروس، وهي المنارة الرئيسية في الجامع الأموي".