للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كنت ألقي في تلك الأيام حديثاً أسبوعياً من إذاعة دمشق بعد صلاة الجمعة، يتفضّل السامعون بالإقبال عليه كما يتفضّل الناس هنا بسماع حديثي في الإذاعة وفي الرائي، كرماً منهم لا لأن أحاديثي تستحقّ هذا الاهتمام.

انقطعت عن هذا الحديث نحواً من ثمانية أشهر، ثم عدت فحدّثت السامعين عن هذه الرحلة؛ وصفت فيها مراحلها مرحلة مرحلة، أَرَيتُهم ما رأيت وأسمعتُهم ما سمعت ونقلت إليهم ما شعرت به حتى كأنهم كانوا فيها معي، حدّثتهم عن فلسطين التي رأيتها يومئذ حديثاً لا يعرفونه وهم جيران فلسطين، عن القدس والقُرى الأمامية يوم كانت المشكلة مشكلة القدس، حين أخذوا أحياءها الجديدة فأعطوها اليهود وتركوا لنا القدس العتيقة بأزقّتها. وكانت مشكلة القرى الأمامية: قَلْقيلية وأمثالها التي أخذ اليهود بساتينها وزرعها وتركوا للناس بيوتها وصخرها، فصارت المشكلة الآن أنهم أخذوا حتى القدس القديمة وحتى القُرى الأمامية!

حدّثتهم عن بغداد وعظمتها، بغداد التي عرفتم أني عشت فيها من عمري سنين، فلما عدت إليها بعد خمس عشرة سنة (أي سنة ١٩٥٤) رأيت بغداد غير التي تركت فلم أكَد أعرفها. عن الموصل التي يُحِسّ الشامي فيها أنه في الشام أو في حلب على التخصيص من مدن الشام، عن البصرة، بندقية العرب (١) ومفتاح الشرق. عن باكستان، البلد المتوثّب الناهض الذي لم يكن مضى على استقلاله إلاّ سبع سنين. عن الهند، والهند دنيا من الأجناس


(١) أي مدينة البندقية في إيطاليا.

<<  <  ج: ص:  >  >>