العربي؛ لقد سلكتُ طريقه الذي سلكه ومشيت من حيث مشى، وتتبعت آثار أقدام الجيش الذي خرج من دياره في أرض الحجاز يقوده الفتى العربي، ابن الطائف الذي فارق منازل أهله فيها ومشى ومشى ومشى، حتى جزع الأرض إلى موضع كراتشي اليوم. وأين أنت يا طائف من كراتشي؟ وكان الجندي يشري زاده بنفسه، وراحلته يشريها بنفسه أو يمشي على رجلَيه، وكان يصبر على الحر والقر والجوع والعطش، وكان مع ذلك كله يدعس (لا يدهس كما تقول الصحف) في طريقه كل قوة تعترضه وكل قلعة وحصن حتى بلغ الهند. ذلك الفتى هو محمد بن القاسم الثقَفي الذي لم يَزِدْ عمره يومئذ عن سبع عشرة سنة، وهي سنّ تلميذ في الصف الثاني الثانوي!
والفتح الأفغاني، حين استعاد السلطان محمود الغزنوي ما فتح ابن القاسم، ثم حاز من الهند ما لم يَحُزْه قبله فاتح. ثم الفتح المغولي، فتح بابر وأحفاده الذين ملكوا الهند كلها، وكان منهم الإمبراطور «أكبر» الذي كفر في آخر عمره وأكره الناس على الكفر، ولفّق ديناً جديداً ما أنزل الله به من سلطان، فمحا الله هذا الدينَ الملفّق الجديد وبقي الإسلام إلى يوم القيامة. وكان من أحفاده شاه جيهان، أحد أعظم البنّائين من الملوك، الذي ترك أجمل أثر عمراني على وجه الأرض هو «تاج محل». ثم جاء منهم الملك الصالح «أورانك زيب» الذي ملك من الهند ما لم يملكه أحد، والذي جمع الحزم والعزم والتقى والصلاح والعلم والأدب، وكان خطّاطاً لا يجاريه إلاّ كبار الخطّاطين، ذلك الذي لا أعرف بعد الخلفاء الراشدين وبعد عمر بن عبد العزيز، وبعد