للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَنَوات وتعاور الخطباء المنبر، قال لي: لا بد أن تتكلّم. وصاح بالناس: كَفّ يا شباب، سَمَاع (أي صفّقوا واستمعوا)، الشيخ علي الطنطاوي.

وكنت أُدعى بالشيخ من قبل سنة ١٩٣٠، ولذلك قصّة سأقصّها يوماً (١). فقلت له: إني نظمت قصيدة. قال (بلهجته العامّية) وشاعر أيضاً؟ تقبرني (وهي كلمة تحبُّب تُقال في الشام). قلت: نعم. قال: هات. وأصغى الناس، وأردت أن أجعلها نكتة فقلت (كأنني ألقي مطلع قصيدة): دمشقُ قدْ فازَ الزعيمُ فخري.

هل انتبهتم إلى النكتة في كلمة «فخري»؟ فضحكوا جميعاً وقال: بلحيتك (يخاطبني أنا). نطق بدري! (وهي كلمة لا يعرفها إلاّ الشاميون، أو الكهول والكبار منهم) (٢).

كان فخري البارودي وطنياً مُخلِصاً وأميناً على المال، ولكن الناس يتّهمونه تهمة شائعة وقالة سوء قيلت عنه، ما حقّقتها


(١) قال علي الطنطاوي في الحلقة ٢٤٤ من هذه الذكريات: كان أبي إمامَ المسجد الصغير، فلما توفّاه الله ولّوني أنا الإمامة وأنا لم أكمل السابعة عشرة، فقالوا لي: لا بدّ للإمام من عمامة. فأدرتُ على طربوشي عمامة فصرت شيخاً صغيراً. قالوا: ولا بدّ له من لحية. قلت: العمامة أتينا بها من عند البزّاز (أي بائع القماش) فمن أين آتي باللحية؟ (مجاهد).
(٢) يقولون: "حَكَى بَدْري"، تُقال لمن يجيء بالكلام السخيف الذي لا يتناسب مع المقام؛ كأنما يقولون: سكوتك خير من كلامك هذا. والنكتة التي أشار إليها في قوله «فخري» تُفهَم مسموعة لا مكتوبة، لأنها تحتاج إلى ألف بين الفاء والخاء! (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>