فكيف إذن؟ فقلت له (وقلدت لهجة الأستاذ): محمد، نور الله؟ ما شاء الله!
وكان يكلّم العامّة بما تكلَّم به الخاصّة، وكان ذلك ممّا أخذه أدباؤنا على بعض المتقدّمين. دعانا مرات إلى الغداء معه في فندقه الكبير الذي كان ينزل فيه فأحببنا (أنا وأنور العطار) أن نردّ إليه الدعوة، فأبى علينا وكاد يغضب منّا، كما يغضب إن لم نُجِب دعوته. فلما ألححنا عليه خفّف عنّا فرضي أن نغديه لحماً مشوياً. وكان قد أنشئ مقهى جديد في طرف دمشق في أول شارع يُدعى شارع بغداد فأخذناه إليه.
قال للجزار بلهجته المعروفة: جنّبني الدهن، جنّبني الدهن. فلما جاء اللحم وجدناه غارقاً في الدهن يسبح فيه. فقلت له: لماذا خالفت ما طلب الأستاذ وقد أمرك أن تجنّبه الدهن؟ فقال: لا ياسيدي، قال لي:"جِبْلي الدهن"! ذلك لأنه كان يخاطب صبيّ الجزار بمثل ما يخاطب به عضو المجمع العلمي.
أما كتابه «الإسلام الصحيح» فالذي كنت كتبته عنه (والذي يهمّني الآن منه وقد سمعت أنه أُعيدَ طبعه) أن أقول إن فيه أشياء ليست من الإسلام الصحيح. وهذا أمر ليس من اختصاص الأستاذ إسعاف على علوّ قدره في الأدب، ولا الأستاذ ناصر الدين على منزلته في الصحافة، بل إن المرجع فيه -كما يكون المرجع في كل علم من العلوم- إلى أصحابه وثقات أربابه.
فالذي يملك أن يحكم عليه: هل هو موافق للدين أو مخالف له؟ هم علماء الدين. ولم أقُل رجال الدين لأنه ليس عندنا في