إسعاف النسَب فإن الذي يجمعنا به (الأستاذ أكرم وأنا) هو الأدب، وقد عجبت من الذي أنكر عليّ قولي أنه لم يستطع أن يَنظم قصيدة في رثاء شوقي فجاء بالتي سَمّاها «ذات القوافي والبحور» وفتح بها من حيث لا يريد باب فنّ جديد هو شعر التفعيلة. ما الذي أنكره وأكبره في هذا المقال؟ هل يعرف للنشاشيبي قصيدة زاحمت في ميدان البلاغة قصائد شوقي وحافظ ومحمد عبد المطلب وأحمد محرّم؟ هل ادّعى هو أنه شاعر، أو ادّعى ذلك أحدٌ من إخوانه ومُحِبّيه؟ وأنا من مُحِبّي أدبه ومقدّريه. وماذا يضيره مع هذا الإطلاع الواسع على أدب العرب، والفهم العميق لكلام العرب، والمحبّة الصادقة للسان العرب، ما الذي يضيره بعد ذلك كله ألاّ يكون شاعراً؟
أمّا عجبي وعجب من معي لمّا كلّمناه أول مرة فما كان ذلك لأنه يتكلم الفصحى، بل لأن له في كلامه وإشاراته أسلوباً يعجب منه مَن لم يكن يعرفه. أنا أعلم أنه كان بليغ القول وكان لا ينطق بالعامّية، وكان يلتزم حتى في الكلام العادي النمط العالي من بلاغة القول، ولكنه كان يُبهِم أحياناً فلا يفهم عنه إلاّ من عرفه. من ذلك أن قاضياً في الشام اسمه محمد نور الله، من أسرة هذا اسمها معروفة على الساحل السوري، كتب إليه مرة في شأن من الشؤون فجاء الردّ في برقية ما فيها إلاّ هذه الجملة:«محمد نور الله ما شاء الله».
فما فهم المراد منها. فقلت له: أنا أفسّرها لك. وتصوّرت الأستاذ ينطق بها أمامي، وذكرت حُبّه محمداً وتعظيمه إياه تعظيماً يكاد يجاوز به الحدّ المشروع، فقلت له: ما هكذا تُقرَأ. قال: