وتعليق آخر ما كنت أحسب أني سأُضطَرّ يوماً إليه وإلى أن أثبت معرفتي بأدب الأستاذ إسعاف النشاشيبي وعلمه وتذوّقه الشعر. وقد صحبته مدّة طويلة في مصر لمّا كان وكنت أقيم فيها، وحينما كان يزورنا في دمشق. فلما تسلّمت الإشراف على تحرير «الرسالة»(تقريباً) سنة ١٩٤٧ كنت في كثير من أيام تلك السنة أذهب مع الزيات رحمه الله دائماً وسعيد الأفغاني أحياناً فنسهر عنده حيث ينزل في فندق الكونتنينتال في ميدان الأوبرا. وكنت بحكم عملي في المجلّة أرى ما يكتب قبل نشره، أعرفه من خطه إن كان مكتوباً بخطه ومن أسلوبه إن استكتبه غيره، لأن العطر الزكيّ -ولو خبّأته في ثنايا ثوبك- أريجُه يدلّ عليه ويرشد إليه. كان ينشر تارة باسمه وتارة باسم «السهمي»(لأن النشاشيبي نسبة إلى «النشاب» وهو السهم)، وتارة بحرف نون، وأحياناً يكون الإمضاء «أزهريّ المنصورة»، وربما أغفل الاسم ووضع في مكانه نقطاً متجاورة.
وأعجب منه أشدّ العجب حين يستشهد على صحّة كلمة بعبارة وردت خلال كتاب أو رسالة لبعض البلغاء: كيف وصل إليها؟ وكيف جمعها وما أخذها من مُعجَم مرتب على الحروف؟ أكان قد وضعها بيده فاستخرجها حين أرادها؟ ولو أنه وضعها بيده فلربما نسي مكانها. أم كان يفهرس كتبه كلها؟ وأنا أعلم أنه لمّا كان في مصر لم تكن مكتبته معه بل كانت في فلسطين. أم كان يستوعب ذلك كله في ذهنه؟ لعلّ عند الأستاذ أكرم زعيتر الجواب أو بعض الجواب.
وإذا كان الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي يجمعه بالأستاذ