يقولون إن الإنسان حيوان اجتماعي، فهل هذا القول باطل أم أني لست بإنسان؟ أم أن الله خلقني وحدي دون بني آدم متوحّشاً أخاف المجتمعات التي لم آلفها وأخشاها أن أغشاها؟ وإلاّ فما لي كلّما دعتني الدواعي إلى لقاءِ مَن لم تَزِدْ بيني وبينه الألفة حتى ترتفع بازديادها الكلفة أفرّ من هذا اللقاء، أو أُرجِئه ما استطعت الإرجاء؟
أفليس هذا عجيباً؟ أوَليس أعجب منه أني إذا ضمّني المجلس وصرت فيه تبيّنت أن عندي من المعلومات والمحفوظات والطرائف واللطائف، ما يوجّه إليّ الأبصار ويُميل الأسماع؟
ويقولون إن لكل جديد لذّة، ولكنني لا أذكر أنني مرّ عليّ عيد وأنا صغير وجاؤوني بثوب العيد الجديد إلاّ لبسته مُكرَهاً باكياً. ولا انتقلت من دار إلى دار ولا من بلد إلى بلد، ولا تحولت من عمل إلى عمل، إلاّ أسيت على فراق ما تركت ورائي وخشيت ما سألقاه أمامي. فهل كان المتنبّي ينطق بلساني حين قال:
خُلِقتُ أَلوفاً لو رَجعتُ إلى الصِّبا ... لَفارقتُ شَيْبي مُوجَعَ القلبِ باكِيا
إن لي الآن بنات ثلاثاً في جدّة وثلاث حفيدات، والبيوت الستّة مفتّحة لي ومَن فيها يستحبّون لقائي ويرحّبون بمجيئي، وأنا أتهيّب أن أسافر من مكّة إلى جدّة وبينهما على الطريق الجديد العظيم أربعون دقيقة أو أقلّ من أربعين. فكيف إذن سافرت إلى