أقصى المشرق؟ بل كيف رضيت أن أحضر المؤتمر وفيه رجال من كلّ البلاد؟
إني لأفكّر في ذلك الآن فأعجب والله منه، وأعجب كيف رحلت قبل ذلك رحلة الحجاز التي حدّثتكم حديثها، والتي كانت سياراتُنا فيها أولَ سيارات دارت عجلاتها على ثراها من يوم خلقها الله وبراها.
إن الذي استطاع أن يضمّني إلى رجال الرحلة الأولى هو الشيخ ياسين الروّاف رحمه الله، والذي جرّني إلى الثانية هو الشيخ محمد محمود الصواف شفاه الله (١).
إن صندوق الحديد في المصرف يوزن بالقناطير ولا يستطيع أن يحمله بعير، ولا تحطّمه المطارق ولا تحرقه النار، ولكنه -على هذا الوقْر كله وهذه المنَعة كلها- يفتحه مفتاح صغير بمقدار عقدة الإصبع، وربما فتحَت بابَه كلمة، كلمة سرّ رُكّبت حروفها بحيث يُغلَق الصندوق بها ويُفتح عليها.
ذلك هو مفتاح شخصية الرجل. فمن الناس من تدخل إلى قلبه بإخافته منك بقوّتك، ومنهم من تصل إليه بإثارة شفقته عليك لضعفك ورقّتك، أو بإطرائه حتى يشلّ الإطراء أعضاءه ويخدّر جسده، أو بإطماعه حتى ينزل لك عن الكثير أملاً بما هو أكثر ... ومفاتيح أخرى لا أستطيع إحصاءها. وليس حتماً أن يكون
(١) رحمه الله. نُشرت هذه الحلقة أواخر عام ١٩٨٤، وتوفي الشيخ الصوّاف رحمه الله سنة ١٩٩٢ (مجاهد).