للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنها ما سُمِّيت بلاغة إلاّ لأنها تبلغ بنا الغاية التي نريد وتوصلنا إلى المقصود، فإن لم تكن لنا غاية معروفة كان الكلام لمجرّد الكلام.

ولا بُدّ من الكلام على أن يكون بعده عمل، فكلام الطبيب سبب للشفاء، ولكن إن لم يُعمَل به فلم يشترِ المريض الدواء ولم يأخذه في مواعيده لم يكن لكلام الطبيب نفع. والثانية أن هذه المؤتمرات فيها رجال كبار من أكثر أقطار الإسلام، ولكن لم يُختاروا اختياراً من أهل هذه الأقطار ولم يوكلوا الكلام عنها ولا يلزمها الذي يقولونه بلسانها.

والثالثة أن أيام المؤتمر تنقضي ويعود كل من حضره إلى بيته وينغمس في دنياه مقبلاً على عمله، وتصير أيام المؤتمر عنده كما صارت عندي الآن: ذكرى من الذكريات. ولكن يبقى المكتب الذي انتُخب فيه واللجنة التي انبثقت عنه، تتكلّم باسمه وتتخذ له مقراً تشتريه أو تستأجره وتضع على بابه لوحة كبيرة تدلّ عليه وتشير إليه، ويحضر رجال هذه اللجنة المؤتمرات والمجتمَعات باسمه، وربما فُرض لهم أو لبعضهم مرتّب دائم من المال الذي جُمع لإقامته، وربما اتخذه بعضهم سُلّماً إلى نيل رغائب الدنيا ومنافعها.

الفلاّح يملك بستانه وما فيه من شجر وما لهذا الشجر من ثمر، وهؤلاء الأعضاء لم يشتروا البستان ولا زرعوا شجره ولا ملكوها، ولكنهم دُعوا فاستظلّوا بظلّها وأكلوا من ثمرها، ولبثوا يأكلون ويبيعون بعد أن زال الشجر والبستان ولم يبقَ لشيء منه وجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>