للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانحصر بالفكر والعلم وانصرف إلى الأدب، ولأن الشيخ محمد الحامد (رحمة الله عليه) صديق أُحِبّه، وإن كنت أخالفه في بعض ما يذهب إليه؛ فهو صوفي، وأنا مررت في حياتي بأدوار: قربت من الصوفية لأن مشايخي أكثرهم من أهلها ولكني لم أقبلها كلّها ولم أنخرط فيها، وصرت سلفياً (أو كما يقولون عندنا في الشام «وهابياً») ولكني كنت أقف في أشياء هي عندهم من المسلّمات وأراها من المشكلات. وكنت يوماً حنفياً ملتزماً متعصّباً لمذهبي لا أقبل ما يخالفه ولو كان حديثاً صحيحاً! وكنت قد أوتيت من صغري جدلاً، فكنت أقول إن مذهبي امتدّ اثني عشر قرناً وانتشر علماؤه بين مشرق الأرض ومغربها، فهل بلغهم هذا الحديث أم لم يبلغهم؟ وإن هو بلغهم فهل خالفوه متعمّدين وهم من صفوة علماء المسلمين، أم أن لديهم دليلاً آخر يرجعون إليه ويعتمدون عليه؟

وأمثال هذه الجدليات التي رأيت أنها قد تُسكِت المجادل ولكنها لا تُرضي العاقل ولا يقبلها المسلم العالم العامل. وانتهيت إلى الوقوف عند قول المعصوم حين يبلغ آيات الله، وفيما يشرع بما أعطاه الله من وحي آخر اللفظ فيه من عنده والحكم من عند الله، وهو الحديث الثابت الصحيح.

وكنت أخالف الشيخ في مسائل في الفقه يذهب فيها إلى التضييق على الناس وفي أدلّة الشرع سعةٌ فيها، كالغناء، أو يتمسّك بفرعيات هي من الكماليات وليست من أسباب النجاة ولا يُعَدّ تركها من المحرمات. وأشهد مع ذلك أن الشيخ محمد الحامد كان صادقاً مع الله صادقاً مع نفسه، وقد جعل الله له من الأثر في الناس ما لم يجعل لعشرات من أمثالي أنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>