عليها الجسد، فلما بلغت حيفا ركبت السيارة وصعدت إلى رأس الناقورة (حيث تُعقَد الآن جلسات المفاوضات بين الحرامي وصاحب الدار)، ومنها إلى دمشق.
ولم أعُد إلى مصر إلاّ بعد ستة عشر عاماً، عُدت أزورها سنة ١٩٤٥. أفليس عجيباً أنني جئت أتحدّث عن هذه السفرة إلى مصر بعد أربعين سنة كاملة؟ أوَليس أعجب منه أنني أذكر هذا كله استطراداً خرجت به عن موضوع الكلام عن المؤتمر؟ إنه داء الاستطراد الذي ابتُليت به وآذيت به القُرّاء، وهم كرام فليحتملوه مني وليقبلوني عليه.
لم أكُن أريد السفر يومئذ (أي سنة ١٩٤٥) إلى مصر ولا أفكّر فيه، وإن كنت أتمنّاه وأحنّ إليه، فإذا بشباب يتحدّثون بأمر السفر إلى مصر، فسألتهم: ما القصّة؟ قالوا إنهم ذاهبون إليها مع الشيخ محمد الحامد. فقلت: أتأخذونني معكم؟ فظهر السرور عليهم وعلا البشر وجوههم، وخبّروه فرحّب بي كما رحّبوا أجمل ترحيب.
كذلك كانت بداية هذه السفرة. وليس الذي قلته رؤيا منام ولا أضغاث أحلام، ولكنها لوحة محا النسيان أكثر أجزائها، فلم يبقَ منها إلاّ ما يبقى من حلم النائم الذي إذا سمع قصّته السامع قال: خير إن شاء الله!
عرضت عليهم الصحبة لأني طول عمري أعجز عن أن أشتري أو أن أبيع أو أن أستقلّ بأمر من أمور الدنيا وحدي، كأن ما أعطاني الله من عقل ومن ذكاء ومن قوة ومن مضاء انصبّ كله على الكتاب