للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَثوى المُنى ومَهوى الهوى وصرت في دار الأمان.

ثم زرت الصديق القديم والأخ الكريم الذي كان سنة ١٩٢٨ شاباً صالحاً مثله في مصر كثير، لا يكاد يدري به إلاّ من يتّصل حبله بحبله، فلما عدت الآن سنة ١٩٤٥ وجدته قد صار عَلَم البلد ورجل الرجال، ومرشد الآلاف والآلاف من الشباب في جميع مدن مصر وقراها. ولكن هذا المجد العظيم الذي تعجز عن حمله هامات الرجال فتُصاب منه بالدوار كما تصنع بشاربها المعتقة الصرف من بنات الكرْم، لم يدُرْ رأسه ولم يُبدّل حاله ولا أنساه إخوانه، وبقي معهم كما كان، حتى لقد أحسسْتُ لمّا قابلته أنني فارقته بالأمس، وأن هذه الأعوام الستة عشر ليست إلاّ عشيّة وضحاها.

وكذلك يكون العظيم؛ لقد تعلّمنا في المدرسة ونحن صغار أن السنبلة الفارغة ترفع رأسها في الحقل وإن الممتلئة بالقمح تخفضه، فلا يتواضع إلاّ كبير ولا يتكبّر إلاّ حقير. وأن من أحسّ أن الكرسي أو المنصب أو المنزلة الاجتماعية أقلّ منه ازداد به تواضُعاً، وأنّ من رأى نفسه أصغر من ذلك انتفخ به كِبْراً وتاه على الناس أشراً وبطراً.

إن الذي يكون ارتفاعه على أرجُل الكرسي فقط إذا زال كرسي الوظيفة من تحته هوى وأخلد إلى الأرض، أمّا من كان كالنسر ارتفاعه بجناحَيه، فلا يزال محلّقاً في الجِواء (١).

هل عرفتم من هو الذي أتكلم عنه؟ إنه مجدّد الإسلام في


(١) الجِواء (لا الأجواء) جمع جو.

<<  <  ج: ص:  >  >>