للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هامش الحياة، لا يخالطون الناس ولا يداخلونهم ولا يعرفون ما يُخفون من مقاصدهم وما يعدون من مكايدهم. فالواحد منهم ينخدع إن خُدع، يظن الناس كلهم صادقين مثله فيصدّق كل ما يقوله الناس. ولو سردت ما وجدت منهم في هذا الباب لأطلت السرد وأمللْتُ القُرّاء.

ووجدت آخرين كل واحد منهم خَرّاج وَلاّج، يعرف من أمر الناس الظواهر والخفايا ويكاد يُدرِك النوايا ويكشف الخبايا، فلا ينخدع لأحد من الناس، ولكنه ربما خدع هو الناس إذ يتّخذ الدين سُلّماً إلى الدنيا، فهو تاجر وتجارته معقود بها الخَسار، لأنه يبيع ذهباً بنحاس وألماساً بزجاج، يُعطي الخالد الباقي من أمور الآخرة ليأخذ الموقوت الفاني من حطام الدنيا. وهل أَخْسَرُ مِمّن يبيع دينه بدنياه، هَمُّه إعجاب العامّة فهو يُقِرّها على بِدَعها وضلالها، ورِضا الحُكّام فهو يمالئهم ويجاريهم؟ يرجو الناس واللهُ أَولى أن يرجوه، ويخشاهم واللهُ أحَقّ أن يخشاه.

فعلى أيّ هذين أعتمد وبأيهما أعتضد؟

لذلك تركتهم وتخيّرت نفراً من الشباب العاملين، مِمّن أعرفه من أهل الفهم والعلم والعقل والدين. كانوا يومئذ شباباً فكأن الله أراني ما صاروا إليه اليوم، صاروا أساتذة كباراً يُشار إليهم بالبَنان. منهم الأساتذة عصام العطار، وزهير الشاويش، وأديب صالح.

أمّا عصام فقد عرفت أباه من قبله في المحكمة، فلما جئت أدرّس في المعهد العربي مع اشتغالي بالقضاء وأوشكَت الساعة الأولى على الانتهاء قام طالب من بين الطلاّب، فحسبته يريد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>