يسأل سؤالاً، فإذا هو يُلقي خطبة بلسان فصيح وبلاغة متدفّقة، يُثني على درسي ثناء لا يستحقّه الدرس. ففتحت عيني دهشة، وشهدت في تلك الساعة مولد خطيب.
ثم لمّا اجترحتُ السيئةَ التي تُبْتُ منها فلم أعُد إلى مثلها فرشّحت نفسي في انتخابات سنة ١٩٤٧ (١)، كان ذلك اختباراً مني لصداقة الأصدقاء، إذ انصرف عني أكثرهم، حتى إخوان الصِّبا ورفاق العمر الذين لا أفتأ أذكرهم دائماً في هذه الذكريات أعرضوا عني فلم يساعدوني، بل حاربني من كنت أعدّهم من أوليائي فكانوا أشدّ عليّ من أعدائي! وأنا هنا لأقول الحقّ لا لأجامل، وسيأتي إن شاء الله خبر ذلك كله مفصلاً.
وربحت أصدقاء جُدُداً مِمّن كانوا يوماً من تلاميذي، ثم صاروا من أقراني ثم سبقوني وتخطّوني، كالأستاذ محمد القاسمي الذي كان على رأس من أعانني على خوض الانتخابات، كما كان الأستاذ زهير الشاويش وعمر عودة الخطيب والأستاذ وحيد العقّاد، الذي أقام لي أبوه الشيخ محمود رحمه الله حفلة انتخابية في مدرسته في حيّ العمارة بجوار الجامع الأموي. والشيخ محمود تلميذ أبي وأستاذي.
في هذه الحفلة قام فتكلّم شابّ أدهش الحاضرين حقاً بإشراق بيانه وانطلاق لسانه وثبات جَنانه، وكان هذا الخطيب
(١) سيأتي خبر هذه الانتخابات وكيف رشح علي الطنطاوي نفسه فيها في حلقة متأخرة في الجزء السابع من هذه الذكريات، وهي الحلقة رقم ١٩٣ (مجاهد).