للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعلم والمنصب، جادت خطبة الخطيب وزادت بلاغته وانجلى بيانه. وهذا الذي يرهّب غير الخطيب ويمنعه أن يعتلي المنبر ويكلّم الناس هو الذي يرغّب الخطيب المتمرس ويدفعه إلى الكلام. ولو أني -حين أتكلم وحدي في الإذاعة فتنقل كلامي إلى عشرة ملايين أو يزيدون- لو أني على منبر أرى أمامي عُشر معشارهم، أقوم بينهم أخاطبهم وأنا أراهم ... لو كان لسمعتم مني غير الذي تسمعونه الآن حين أتحدّث في الإذاعة أو الرائي.

لا تفهموا من كلامي هذا أنني أحدّث ابتغاء إعجاب الناس أو طلباً لرضاهم، أو أني لا أعمل لله. إني لأرجو أن يكون قصد الثواب أكبر، ولكنها طبيعة طبع الله النفوس عليها، وما لنا في الغرائز والطباع من عمل.

ألقيت خطبة كان أثرها في الناس ظاهراً. ولست أذكر الآن ما الذي قلت فيها ولكن أذكر معنى ما قلت، وقد تختلف المعاني باختلاف طريقة التعبير عنها كما يختلف منظر الغادة الحسناء إن بدت لك بثياب التفضّل (أي ثياب البيت) أو ثياب العروس. أذكر أني جلوت لهم حقيقةً كلُّهم يعرفها، ولكن منهم من ينساها ويطلب مَن يذكّره بها. والقرآن -الذي يجد فيه مَن يحسن فهمَه كلَّ ما يحتاج إليه في دنياه وآخرته، في فكره وسلوكه- علّمنا أن الذكرى تنفع المؤمنين، لأنها وإن لم تُعطِهم ما ليس عندهم تضع تحت أيديهم وأعيُنهم ما بَعُد عنها ممّا هو عندهم.

هذه الحقيقة التي شرحتها في خطبة افتتاح المؤتمر هي أن الله نزّل هذا القرآن وتعهّد بحفظه، وما حفظه الله لا يقدر أن يضيّعه

<<  <  ج: ص:  >  >>