ولي مع سيد قطب رحمة الله عليه تاريخ طويل: كنت معه في دار العلوم سنة ١٩٢٨ (إن صدقت الذاكرة)، ولكني نسيت ذلك ونسيَه. ثم عاركته فيمَن عاركه في معركة العقّاد والرافعي، وكان يومئذ أكرهَ الناس إليّ وأبغضَهم إلى قلبي، شتمته وشتمني وأنكرته وأنكرني، حتى جاء أخ من فلسطين اسمه (نسيت الآن اسمه (١)) فكتب في الرسالة يعجب منّا فيقول: أتتناكَران ولقد كنتما معاً، وكنت معكما في دار العلوم، في فصل واحد؟
ثم لمّا ألّف كتابه «التصوير الفنّي في القرآن» رأيت فيه فتحاً جديداً في دراسة القرآن، وكتبت أثني عليه بعدما هجوته وشتمته. وكنت في الحالَين مدفوعاً بمبدأ انطلقت منه. ثم كانت المفاجأة لي أني كنت يوماً في دار «الرسالة» عند الأستاذ الزيات، فدخل رجل رأيته دقيق العود أسمر اللون هادئ الطبع ساكن الجوارح، يكاد يكون خافت الصوت قليل الكلام. فسلّمت عليه سلامَ مَن لا يعرف الآخر، فضحك الزيات وقال: ألا تعرف خصمك سيد قطب؟
ففوجئت حقاً، لأني كنت أتصوّره ضخم الجسم بارز العضلات تقدح عيناه شرراً، كالمصارع الذي ترونه في المصارعة الحرّة يضرب رأسه بالحديد ويضرب رأس خصمه بالحديد!
كنت بادئ الأمر في صفّ وكان في صفّ، كنّا في صفّ
(١) ذكره في مقالة «العقيدة بين العقل والعاطفة» المنشورة في كتاب «فِكَر ومباحث»، قال: "الأستاذ سيد قطب رفيقي في دار العلوم سنة ١٩٢٨ على ذمة الأستاذ اللبابيدي الذي نشر ذلك في «الرسالة» إبّان المعركة الأولى، معركة الرافعي والعقاد" (مجاهد).