للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند المقابلة، ما شمخ بأنفه ولا صعّر خدّه، بل استقبلَنا كما يستقبل العربي ضيفه، يُكرِمه ويقدّمه ويرفع مقامه ويتأدّب معه.

ثم كان بيننا لقاء ثانٍ، لا سعيت أنا إليه ولا طلبته ولكن طُلب مني. جاءني يوماً في داري، وكان الشيشكلي والعسكريون هم الحُكّام في الشام، وكان شبح سجن المزة يلوح من ورائهم والناس يخشونهم ويحذرونهم ... في هذه الحال جاءني صباحَ يوم إلى الدار ضابطٌ في الجيش يخبرني أن سيادة العقيد يحب أن يجتمع بي. وطمأنني بأن الاجتماع وُدّي وأن لي أن أوافق عليه أو أن أعتذر عنه.

وقد حاولت الاعتذار لكني وجدت فيه حرجاً، وطمأنني أن الاجتماع في داره لا في قصر الحكومة. والاجتماع في الدار أدعى إلى الاطمئنان. وكان مستأجراً دار نسيب بك البكري، في أول فرع شارع بغداد الذي يبدأ من ساحة السبع بحرات.

وأنا -كما عرفتم- أستصعب أن أذهب وحدي في زيارة ولو كانت لأقرب أصدقائي إلى نفسي، فأصحب معي واحداً من إخواني. فلما جاءتني هذه الدعوة مررت على دار صديقي وزميلي في المحكمة الشيخ صبحي الصباغ فقلت له: إن العقيد يدعونا لنزوره في داره.

وأستغفر الله أني كذبت في هذا القول، وإن كان إلى المعاريض الجائزة أقربَ منه إلى الكذب الحرام. فقال: خَيّو (أي يا أخي)، لماذا نذهب؟ قلت: نزوره، هو يريد ذلك. ففكّر قليلاً ثم قال: باسم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>