ثم يصير الجديد قديماً والعمر ينقضي بينهما، والأجل يقترب، حتى يأتي على المرء مساء لا صباح له أو صباح ما له من مساء.
نغدو ونروح والبادية لا تحسّ بمن غدا أو راح؛ يتبدّل الناس وهي باقية على ما كانت عليه، حتى يجيء عليها هي أيضاً يوم تُبدَّل فيه الأرض غير الأرض والسماوات، فيموت كل حيّ ويسكن كل متحرّك، ويعود إلى التراب كُلّ ما فوق التراب، ولا يبقى إلاّ وجه ربك ذو الجلال والإكرام. هنالك ينادي المنادي: لِمَنِ المُلْكُ اليوم؟ فيجيب المجيب: لله الواحِدِ القَهّار.
ثم نعود بشراً نخرج من التراب كما بدأنا أوّل مرة من التراب، ويرجع حياً من مات ويصير حاضراً يرى التاريخ الذي كان ماضياً يُروى، ويجتمع البشر في صعيد الحشر، يُساقون جميعاً للحساب بين يدَي ربّ الأرباب.
* * *
إن رأيتموني خرجت عن موضوع الرحلة فلا تثريب عليّ، فإن هذه الرحلة التي خرجتُ إليها هي التي لا بُدّ منها ولا مَعدى لنا عنها، يذكرها العاقل أبداً ويشكر من يذكّره بها، وينساها الأحمق الجاهل ويؤذيه أن يأتي مَن يحدّثه حديثها، أو يسأله ماذا أَعَدّ لها وماذا عمل في دنياه التي جعلها الله مزرعة لها، يحصد كلٌّ ما زرع،