للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرجوا في هذه الساعة ليحيّونا، أو ليحيّوا (على الصحيح) شيخَهم الصوّاف. وكان هذا المشهد أول ما رأيت من ثمار دعوة الصواف في العراق.

عشت في العراق سنين، فلمست في الشباب فتوّة ونشاطاً وهِمّة وعزيمة وقوّة ورجولة، ولكن لم ألمس فيهم مثل هذا التديّن وهذا الإيمان. ولست أدري كيف سرى الخبر بوصولنا في هذا الليل فاجتمع عشرات من الناس. عشرات؟ لقد أخطأت التعبير، بل إن المجتمعين كانوا أكثر من مئة، هجروا فُرُشهم في هذه الليلة الباردة ليستقبلوا شيخهم ومَن مع شيخهم. فكيف لو وصلنا في رَأْد الضحى أو في أَلَق الأصيل؟ وكيف لو جئنا بلداً كبيراً فيه ناس كثير ولم نأت بليدة صغيرة كالرمادي؟

وأخذونا إلى دار من دورهم فكانت جلسة تعارف وتوجيه وسمر، كانت كشفاً لهذا المنجم الزاخر بالتقى والفضيلة والكرم في هذه النفوس الخيّرة. وودّعتهم وكأنني أودّع أصدقاء أو أبناء عرفَتهم روحي من عشر سنين. وكتبت يومئذ أقول: يا شباب الرمادي وياشيبه، عليكم سلام الله وتحيّاته وبارك الله فيكم.

* * *

وسرنا مع الفرات، وهو يسير إلى جنبنا لا يبالي بنا ولا يلتفت إلينا كما كان يسير منذ ملايين السنين. مَن يعرف عمر الفرات حتى يقدّره بالسنوات؟

رأى في سيره أجناساً من البشر اختلفَت سماتهم وتعدّدَت

<<  <  ج: ص:  >  >>