للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلنا بغداد ومؤذّن الفجر ينادي «حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح»، فأسرعنا إلى أقرب مسجد فصلّينا فيه مع الجماعة، وبدأنا أيامنا في بغداد بالقيام بين يدي الله.

وكان التعب والإعياء قد بلغ منّا كلّ مبلغ، وصار أقصى مانتمنّى فندقاً نأوي إليه وفراشاً نطرح أجسادنا عليه، وما معنا من أهل البلد إلاّ الصوّاف، ولكنه لا يكاد يعرف فنادقها. ولا أعرف أنا فنادق الشام، وما حاجة ابن البلد إلى الفنادق حتى يعرفها؟ إنما يعرفها القادمون إليها.

تركت الفندقين الكبيرَين لأن النفقات فيهما لا يحملها كيس نقودي، إن كان الدفع عليّ فأنا أعجز عنها، وإن كان الدفع من المؤتمر فأنا أخشى الله أن أنزل فيهما على حساب المؤتمر.

والفنادق الكبيرة التي عرفتها في البلاد الإسلامية التي زرتها أحسّ حين أجتاز بابها كأنني خرجت من هذا البلد ودخلت بلداً غريباً عليّ لا أعرفه ولا يعرفني؛ فاللسان فيه غير لساني، والعادات غير عاداتي، والمنكَرات في أكثر هذه الفنادق معلَنة بادية، والأسعار محرقة غالية، والشيء الذي تشتريه من السوق بعشرين يُحسَب عليك في الفندق بمئة وعشرين ... لذلك أنفر منها وأبتعد عنها.

درنا مع الشيخ الصواف نفتّش عن الفندق المناسب، فكلّت أقدامنا من الصعود والنزول وألسنتنا من السؤال والاستفهام. وكنّا في تعب فازددنا تعباً، حتى رضينا من الغنيمة بالإياب وقبلنا أن ندخل كل باب. ورأينا فندقاً هادئاً جميلاً على دجلة اسمه فندق

<<  <  ج: ص:  >  >>