سبع عشرة سنة (أي سنة ١٩٥٤) وجدت قوماً قد أقاموا مصفاة إلى جنب الغدير أخرجَت ماء صافياً أبلغ الصفاء عذباً غاية العذوبة، فوضعوه في بِركة صغيرة، وما خرج منه من أوضار كانت في الماء العكر أُلقِيت في بركة أخرى صغيرة كلها دنس وطين قذر.
هذا مَثَل أكثر البلاد العربية لمّا كنّا صغاراً ومَثَلها الآن: ترى الآن في كل بلد قِلّةً أطهاراً صالحين متعبّدين كأنهم (كما شبّهتهم مرة غيرَ مبالغ) من أهل الصدر الأول، وقِلّةً أنجاساً تتلقّف كل خبيث من المذاهب وسخ من العادات، أسماؤهم أسماء المسلمين وما هم في عقائدهم وفي أعمالهم وفي سلوكهم كالمسلمين.
وسائر الناس (أي باقيهم) وجمهورهم كما كانوا من قبل: خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً؛ يُقيمون الصلاة ويصومون ويحجّون كما كان السلف يصومون ويصلّون ويحجّون، فالأعمال هي الأعمال، ولكن النيّات ليست هي النيّات. ومنهم من لا تنهاه صلاته عن فحشاء ولا منكر، ومنهم من لا يحافظ على صلواته أو لا يكاد يصلّي، ويحسب أن الإسلام قول بلا عمل ودعوى بلا دليل، وأن الله يوم القيامة يميّز أهل الجنّة من أهل النار بأوراق النفوس وجوازات السفر، فمَن كُتب فيها أنه مسلم جاز الصراطَ إلى الجنّة ومن كُتب فيها أنه غير ذلك كُبّ في جهنّم.
* * *
بقينا في بغداد إلى أواخر آذار (مارس) سنة ١٩٥٤، ذهبنا خلالها مرة إلى البصرة كما ذهبنا إلى الموصل. وكان الشيخ الصوّاف قد أسّس في البصرة فرعاً لجمعية الأخوّة الإسلامية،