يقوم عليه الشيخ عبد الله أبا الخيل، وهو والد الوزير الشيخ عبدالرحمن وزير الشؤون الاجتماعية سابقاً، ولا أعرف ما قرابته بوزير المالية. ولقد زرناه في داره وأجبنا دعوة منه إلى الطعام (وإن كنت في العادة أعتذر عن أمثال هذه الدعوات) فرأينا رجلاً كريماً وبيتاً مفتوحاً ونُبلاً وفضلاً، ورأينا أثره في العمل الإسلامي أثراً واضحاً، وفهمت أنهم سَمّوها جمعية الأخوّة الإسلامية لأن الحكومة يومئذ لم تسمح لهم باتخاذ اسم الإخوان المسلمين.
وقد نزلنا في فندق شطّ العرب، وهو أحد الفنادق التي أنشأتها إدارة السكك الحديدية وهي التي تديره، ووجدنا به الراحة والنظافة والاطمئنان.
وعدنا إلى بغداد، وبقينا إلى أن فارقناها في يوم من أيامها الشداد، قد عمّها الذعر وطار بألباب أهلها الفزع.
وأشهد -وقد عشت في العراق سنين- أنه ليس في العراق جبان، ولكن كان في بغداد تلك الأيام ما يَجبن أمامه كلُّ الشجعان؛ عدوّ لا تردّه المدافع ولا تدفعه النار ولا الحديد، غَضِبَ على بغداد وكان مُحِباً لها يحنو عليها، واشتدّ على بغداد وهو اللطيف الرقيق الذي تراه من لطفه ورقته يسيل سيلاناً. إنه النهر يا سادة: دجلة. إنه الفيضان!
وقد رأيت الفيضان العظيم سنة ١٩٣٦ (ومرّ حديثه في هذه الذكريات)(١) ولكن فيضان سنة ١٩٥٤ لم يسبق له مثيل. علا
(١) في الحلقة السادسة والتسعين في الجزء الثالث، وانظر مقالة «ثورة دجلة» في كتاب «بغداد» (مجاهد).