للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللإنسانية أيام هي ركن الإنسانية، لولاها ما قام لها بنيان ولا ثبت لها وجود. أيام قد عمّت بركاتها وشملَت خيراتها البشر جميعاً. أيام هي ينابيع الخير والحقّ والعدل في بيداء الزمان، وهي المفخرة لأمة أرادت الفخار. وما أكثر هذه الأيام الغُرّ في تاريخنا!

وقد زعم العُداة أننا فرحنا به هذا الفرح لأننا أُعطِينا ما لم نكن نحلم به، كالفقير المسكين إذ يطلب قرشاً فيُمنَح ديناراً. كلاّ، إننا لم نأخذ إلاّ الأقلّ من حقنا. إن الجلاء ليس عجباً وإنما كان العجب العجاب أن يكون في ديار الإسلام احتلال. العجب ألاّ نحكم نحن الأرض وقد خُلقنا من أصلاب من حكموها وورثنا القرآن الذي دانت لهم به الأرض.

زعموا أن هذا الجلاء قد أتى بلا تعب وأننا لم نُرجف عليه بِخَيلٍ ولا رِكاب، ولولا أنها جاءت به مصلحة الإنكليز ما جاء! كذبوا والله. أو فليخبروني: أجاهدَت أمّة على ضعفها وقِلّة عددها وعلى كثرة عدوّها وقوّته مثل ما جاهدنا؟ في مصر العزيزة سبعة عشر مليوناً، وفي أندونيسيا سبعون وفي الهند مئة (كان هذا سنة كتابة المقال قبل أربعين سنة)، ونحن أهل الشام لا نعدّ كلّنا -بَدْوُنا وحضَرنا، رجالنا ونساؤنا- أكثر من ثلاثة ملايين، وقد ابتُلينا بفرنسا ذات الطيش والحمق والملايين الأربعين والعدد والآفات. فاسألوا الفرنسيين: هل أرحناهم يوماً واحداً من ميسلون إلى يوم الجلاء؟ أما ثرنا على فرنسا وكسرنا جيوشها في خمسة مواقع؟ سلوا الجنرال ميشو القائد الذي حارب الألمان عند المارْن: أما أباد حملتَه على بكرة أبيها مجاهدون منّا لم يتعلّموا في مدرسة

<<  <  ج: ص:  >  >>