أمّا المدارس في الشام فهي كالدار القديمة، التي مرّت عليها الأيام وتوارثها الآباء عن الأجداد، وربما ورثها الأجداد عمّن قبلهم. تعاورَتها الأيدي وتبادلَتها المُلاّك، وكل مالك لها يزيد فيها أو ينقص منها أو يبدّل في هندستها، حتى اجتمعَت فيها الهندسات، فكان بيتٌ منها كأنه مسجد فيه الكتب وغرفة منها كأنها ملهى فيها المحرّمات. حتى لم يعُد أكثرها يصلح للبقاء، ولا يجدَّد إلاّ بهدمه ونقل أنقاضه وإخلاء أرضه وإقامة الجديد عليها، أو بترقيعه وإصلاحه بمقدار ما يمكن الإصلاح والترقيع.
كانت المدارس في الشام أصنافاً ثلاثة: المدارس الأهلية، والمدارس الأميرية (الحكومية)، والمدارس النصرانية.
أما المدارس النصرانية فقد فُتحت لأهلها ولم يكن لأبنائنا مكان فيها، ولكنها امتلأت على مرّ السنين بأبناء المسلمين بحُجّة تعلّم اللغة الأجنبية. وهذه الحُجّة الواهية التي لا تَثبت للنظر ولا للتمحيص قد جرّت علينا شراً كبيراً.
أمّا المدارس الأهلية فكانت هي الأقوم سبيلاً والأكثر عدداً، وكان يملكها آحاد من الناس، ما للحكومة دخل في وضع مناهجها ولا في إدارتها ولا في اختيار معلّميها وأساتذتها. وكانت تحرص على تلقين الطلاّب العلوم الإسلامية وتعويدهم على أداء الواجبات والبعد عن المحرّمات، ولكنها كانت تسلك في التربية وفي أساليب التدريس أسوأ السبل؛ تقدّمَت الدنيا وارتقى التعليم فيها وهي في مكانها، لا تشعر بهذا التقدم ولا تحسّ هذا الارتقاء. وكانت الشدّة والقسوة هي الطريقة المختارة فيها، وكان