للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَلَق (التي تسمّيها العامّة الفلقة أو الفلكة) وعصا الخيزران هما عنوان تربية الأولاد.

وكانت هذه المدارس درجات: أدناها «الخُجَة». والخجة امرأة تعلّم في بيتها، يأتون إليها بالأطفال لتحفّظهم قصار السور أو تلقّنهم حروف الهجاء، وتكون غالباً أمّية أو شبه أمّية، شمّت رائحة العلم ومشت في طريقه خطوة واحدة. وربما وُجدَت «الخجة» على شيء من المعرفة والإدراك، وذلك قليل. فقد كان عندنا في حيّ الصالحية في دمشق خجة عندها شبه مدرسة أولية، فيها أكثر من مئة وعشرين تلميذاً مقسومين إلى ثلاث شعب، يقعدون على مثل مقاعد المدرسة ويدرسون مثل ما يدرسه تلاميذ المدرسة.

وأرقى من الخجة «الكُتّاب». ولي تجرِبة فيه كتبت عنها كثيراً من المقالات، ولكني نسيت أن أودعها هذه الذكريات (١). أدخلني جدي إليه قُبَيل إعلان الحرب الأولى وأنا طفل ما أحسب أني جاوزت الخامسة إلاّ قليلاً، فلبثت في هذا الكُتّاب من بعد صلاة الظهر إلى أن كان الانصراف بعد العصر، ساعتان أو ثلاث ساعات مرّ عليها الآن ثلاث وسبعون سنة، وكلّما تذكّرتها أحسست الرعب الذي أصابني فيها والألم الذي دخل عليّ منها والشقاء الذي استهللت به حياتي العلمية. فماذا يكون مبلغ العذاب الذي مرّ عليه أكثر من سبعين سنة ولا تزال مرارته في قلبي، ولا أزال كلّما ذكرته كأنني أراه أمامي؟!


(١) من شاء فليقرأ مقالة «في الكُتّاب» المنشورة في كتاب «من حديث النفس» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>