وفوق ذلك مدارس ابتدائية منظَّمة، عرفتها تلميذاً ثم علّمت في أكثرها. وأقدمها وأشهرها مدرسة الشيخ عيد السفرجلاني. ولي عنه كتابات كثيرة، ويوم مات كنت أحترف الصحافة وكنت محرّراً في الجريدة الكبرى في دمشق، فكتبت عنه، فقال لي أحد الإخوان: أتشغل أعمدة الجريدة في الكتابة عن شيخ كُتّاب؟
ولم يدرِ أن شيخ الكُتّاب هذا كان من أساطين النهضة في دمشق. كان جندياً مجهولاً في معركة الإيمان والكفر والعلم والجهل، لبث سبعين سنة يعلّم الأولاد، فاجتمع في سجلاّته اسم التلميذ وأبيه من قبله وجدّه من قبلهما ووالد جده! وكانت مدرسته أولاً عند باب الفرج (١)، أحد أبواب دمشق السبعة، وكلّها باقٍ إلى الآن إلاّ باب النصر الذي كان في رأس سوق الحميدية. ثم انتقلت إلى المدرسة الجَقْمَقيّة، وهي من أجمل الأبنية الأثرية في الشام، جدّدَتها وأصلحَتها وأعادتها إلى رونقها وزارةُ الأوقاف بإشراف دائرة الآثار، ولكنها تركَتها خالية ليعجب منها السياح ويزورها الزائرون. ثم انتقلت إلى المدرسة الجوهرية. وقد علّمت في هذه المدارس كلّها.
ومن المدارس الابتدائية «الأمينية» التي كان مديرها وصاحبها الشيخ شريف الخطيب، وهو ابن خالتي. وقد كنت عنده تلميذاً، ثم صرت عنده معلّماً. والمدرسة الريحانية التي ورد ذكرها في كتاب أستاذنا كرد علي رحمه الله «المعاصرون»، فندب مجمع
(١) في المناخلية، وهما بابان: باب على السور الخارجي وباب على الداخلي، وهما باقيان.