قبل الثورة من ملوكها ومن أخبار حكوماتها أكثر ممّا نعرف من تاريخ أجدادنا (١).
ولم أقُل إنني كنت أجهل ذلك مثل جهلهم لأنني قرأت بنفسي من صغري كتباً من كتب التاريخ، مررت على صفحاتها كلها، ما فهمته منها استوعبَته ذاكرتي وما لم أفهمه جزت به. فلم أكُن بتاريخ الإسلام بمثل جهل الرفاق، وإن كنت في العلم بتاريخ فرنسا مثلهم. بل أنا لا أزال إلى الآن أعرف التاريخ الفرنسي من أوله إلى آخره وأعرف الثورة الفرنسية الكبرى وما كان فيها يوماً بعد يوم وأروي الكثير من أخبار رجالها.
* * *
هذا ما صنعه الفرنسيون: أضعفوا العلوم الإسلامية، وجاؤوا باللغة الفرنسية وزاحموا بها اللغة العربية، وضيّعوا التاريخ الإسلامي ووضعوا مكانه تاريخهم حتى نشأ أولادنا على جهل بتاريخنا.
هذه كلها، ويقابلها أمر لعلّه كان أشدّ علينا وآلم لنفوسنا وأسوأ عاقبة فينا، هو العمل على نزع حجاب الطالبات وعلى تعويد النشء على الاختلاط. وكان ذلك ميدان نزاع طويل وجهاد مرير، وعمل دائم من المشايخ ومن ورائهم جمهور الأمّة المسلمة في الشام، والداعين إلى هذا المنكر والعاملين عليه. وسيأتي إن شاء الله بعض خبر ذلك في الحلقات المقبلات.
* * *
(١) انظر مقالة «أبناؤنا وتاريخنا» في الجزء الثاني من كتاب «مقالات في كلمات» (مجاهد).