ومنعوا الكلام باللغة العربية في الفُسَح القصيرة بين ساعات الدروس زعماً منهم أنهم يقوّوننا بذلك على تعلّم اللغة الأجنبية. وتعلّم اللغة الأجنبية من أشدّ ما دخل به علينا إبليس. ونحن لا نُنكِر فائدة هذا التعلّم ولكن نُنكِر المبالغة فيه وشدّة الحرص عليه، وأن نُضيع في سبيله لغتنا أو مقوّمات حياتنا، وأن نعطيه رُبع أو خُمس الساعات الأسبوعية ونَدَع الباقية للعلوم كلّها.
واستحدثوا قطعة من الخشب أو المعدن تُسمّى «السينيال»(ومعنى «السينيال» العلامة). فكان التلميذ الذي يحملها يريد التخلّص منها، كمَن يشتري فاكهة فيجد فيها عقرباً، فماذا يصنع إلاّ أن يُلقي الفاكهة ويتخلّص منها ويبعدها عنه حتى لا تلسعه العقرب؟ كان حامل السينيال يتجوّل بين التلاميذ، فإذا سمع من يتكلّم العربية دفع السينيال إليه، ومَن حانت ساعة الدرس وهي معه ناله بسبب ذلك أذى.
فكنّا -من أجل ذلك- نتحامى أن ننطق الفرنسية. خُيّل إلينا أن من الوطنية ألاّ ننطقها وألاّ نتعلّم الحديث بها، فنشأت كما نشأ غيري، أقرأ كتب الأدب الفرنسي فأفهمها، ثم إذا أردت أن ألقي جملتين أو أقول كلمتين انعقد لساني ووقفت، كما وقف حمار الشيخ في العقبة.
والرابعة أنهم حاربوا التاريخ الإسلامي، فكان الواحد من أبنائنا، بل لقد كان رفاقنا لمّا كنّا نتعلّم أيام الفرنسيين في أوائل عهدهم بالانتداب في المدارس، كان إخواني يعرفون من تاريخ فرنسا وتاريخ نابليون ومن جاء بعده من ملوك فرنسا ومن كان