بتعلّم «A B C» الفرنسية مع «أب ت» العربية. والجاحظ يقول: ما جمع أحدٌ لغتين إلاّ أدخلَت إحداهما الضيم على أختها. وإن كنّا لا نسلم للجاحظ ما قال ونعرف من الناس من أتقن ألسناً كثيرة ولغات متعددة، وكان فيها كلها السابق المجلّي.
صار يبدأ الولد بتعلّم الفرنسية حين يبدأ بتعلّم العربية. والإنكليز والفرنسيون رسموا لتعليم لغاتهم خططاً ووضعوا لها أساليب وصنعوا لها مرغّبات تستهوي التلاميذ الصغار، لم نكن نملك يومئذ (أي قبل ستين سنة) مثلها، فكانت النتيجة أن قَوِيَت الفرنسية على حساب العربية.
وإن كان من الحقّ أن نذكر ما لهم كما نذكر ما عليهم. إن الفرنسيين -رغم هذا- كانوا يهتمّون باللغة العربية أكثر من اهتمام مَن جاء بعدهم، ولقد قلت لكم إننا كنّا نقرأ كتاب قواعد اللغة العربية لحفني ناصف وإخوانه في الصف السابع، أي في السنة الأولى من الدراسة المتوسطة، وهذا الكتاب يحوي من القواعد أكثر ممّا يحويه شرح ابن عقيل، وإنه يكفي الكاتب والأديب إذا وعاه وحفظ ما فيه، فضلاً عن الطالب أو معلّم الابتدائي. وإن كل غلطة في الإملاء كان يخسر التلميذ من أجلها درجتين من عشر درجات، أي أن من يخطئ خمس خطيئات بمواقع الهمزات وأمثالها من الخطيئات الكبار بالإملاء (أي من مثل ما نقرؤه الآن لبعض من يُقال إنهم أدباء) يأخذ صفراً، ومن أخذ صفراً في الامتحان في مادّة من الموادّ لم ينفعه أن يأخذ الدرجة الكاملة في المواد الأخرى كلها وكان مصيره الرسوب حتماً.