للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نشأ عن ذلك أمور عجيبة، إذا عدت يوماً وكتبت ذكرياتي عن المعلّمين وعن المدارس رويت الكثير ممّا أحفظ منها. من ذلك أنه كان عندنا في طرف حيّ العقيبة مدرسة أولية فيها معلّمان فقط، وهما شيخ وخوري (أي قسيس)، إذا خرجا من المدرسة فمشيا معاً في السوق في ذلك الحيّ الشعبي المسلم توجّهَت إليهما الأنظار وصِيغَت عنهما النكت. الشيخ بجبّته وعمامته والخوري بثوبه وقلنسوته! وكان الشيخ هو الشيخ قاسم القاسمي، الأخ الأصغر لعالم الشام الشيخ جمال الدين القاسمي، وكان الخوري والد رفيقنا في التعليم وفي كلية الحقوق أفرام عين.

ثم ابتدعوا بدعة أخرى كانت أشدّ علينا من الأولى وأنكى فينا منها، هي أنهم لم يُدخِلوا دروس الدين في الامتحان. وأكثر الطلاب إنما يدخلون المدارسة للشهادة لا للعلم ويحرصون على النجاح في الامتحان أكثر من حرصهم على الفائدة من التعلم، فكانت النتيجة أنْ أهمل التلاميذ درسَ الدين. ولماذا يدرسونه والعلم به لا ينفعهم والجهل به لا يضرّهم، لأن غايتهم النجاح والشهادة؟

ولقد سعينا سعياً حثيثاً دائباً في سنين متطاولة متعاقبة حتى استطعنا أن نجعل له ساعتين في الأسبوع بدل الساعة الواحدة، ثم أُلغِيت هذه الساعة الثانية وعاد كما كان.

والثالثة أن الفرنسيين أضعفوا العربية بأن قرنوها بالفرنسية، وجعلوا التلميذ من حين دخوله المدرسة ابنَ ستّ سنين يبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>