ثم ابتدعوا بدعة ظاهرها تنظيم إداري لا اعتراض لنا عليه، بل لا شأن لنا به، ولكن باطنها محاربة الإسلام وإضعافه في نفوس الأطفال. هي أن يتسلّم معلّمٌ واحد الصفّ (أي الفصل) كلّه بدروسه كلّها، فيدرّس الدين والعربية والرياضيات والطبيعيات والرسم والموسيقى وكل ما يُكلّف الطلاّب بتلقّيه. وكان بين المدرّسين ناس من النصارى وناس من المسلمين بالاسم البعيدين عن الإسلام بالفعل وبالعقيدة وبالسلوك، وهم شرّ من غير المسلمين وأبعد عنّا منهم، فكانت النتيجة أن يُكلَّف تدريس القرآن مَن لا يؤمن به، فيُهمِله وينفق الساعة في درس آخر غير القرآن.
وقد وقع في أول الاحتلال أن كُلِّف معلم نصراني في بيروت بتدريس السيرة وتاريخ الصحابة. وكان مفتي بيروت (إن صحّ ما أذكر) الشيخ مصطفى نجا رحمة الله عليه، فذهب إلى المفوضية وطلب مقابلة المفوض السامي، فلما دخل عليه رحّب به وسأل الترجمان عمّا يريده فقال له: إن عندي شاباً مسلماً مطّلعاً على ديانتكم وعلى تاريخ كنيستكم وسِيَر قِدّيسيكم، فأنا أطلب منكم أن تجعلوه معلّماً في المدارس المسيحية الكَنَسية ليدرّس أبناء النصارى.
فعجب المفوض السامي وسأل الترجمان: هل الشيخ يجدّ أم هو يمزح؟ فقال الشيخ: إنني أطلب ذلك جاداً. فقال له المفوض: كيف تريد أن نسلّم أبناء النصارى إلى معلّم لا يؤمن بدينهم؟ فقال المفتي: هذا ما جئت من أجله؛ جئت لأسأل: كيف ترضون أن نسلّم أبناءنا إلى معلم يعلمهم ديننا وليس دينه من ديننا ويكفر بما نؤمن به؟