من الأسى. لا لأن المصريين حكموا سوريا، فطالما حكمَت مصرُ الشامَ أياماً طويلة من تاريخنا، وطالما حكمت الشامُ مصرَ وغير مصر قبل ذلك، والمسلمون أمّة واحدة وإخوة في أسرة واحدة، فلا فرق لدينا أن يحكم مصري أو شامي، ولكننا رأينا بوادر جعلَت تبدو لنا، ما كرّهَتنا بالوحدة لذاتها بل لهذه الأعراض التي علقت بها.
لمّا زار عبد الناصر دمشق أول مرة استقبلَته دمشق استقبال الأبطال الفاتحين، واحتشد أهلها حول قصر الضيافة ساهرين منتظرين يرتقبون أن يطلع النهار فيطلع الرئيس عليهم فينظروا إليه:
يجدونَ رؤيتَه التي فازوا بها ... مِنْ أنعُمِ اللهِ التي لا تُكفَرُ
كانوا يأملون أن يجدوا على يديه الفرج بعد الضيق، يحسبون أنه سيُعيد عليهم عهد أبي عُبَيدة وخالد لمّا دخلا الشام فأنقذا أهلها من ظلم الرومان، وأنه سيدور الزمان حتى يعود كما كان في صدر الإسلام. فتبيّن أنه لم يكن حُكّامنا مثل الرومان ولا كان عبد الناصر كأبي عبيدة وخالد، وأنها لم تمر إلاّ شهور معدودات حتى أذابت شمسُ الواقع التمثالَ الذي صنعناه من ثلج الأماني، حتى طلع نور النهار فمحا ما أبصرناه في أحلام المنام.
قلت لكم إني لم أكُن في موضع مَن يرى الخفايا ويكشف الأسرار، وإنما كنت واحداً من غمار الشعب، وإن كان لي قلم بحمد الله وكان لي لسان وكان لي فكر وجنان. فكنت أسمع خُطَب الرئيس تذاع، وهم على عادتهم على أيام عبد الناصر يحشدون